قولبت قالبها

كنا نسكن معاً ولكن لم يكن هناك حديثاً متناولاً بيننا .. فبحكم سكن الطالبات ، تقابل الكثيرات من زميلات الجامعه ولكن ليس شرطاً أن تصادقهن جميعاً 

هيأ لنا القدر صدفةً أن نتقابل أثناء عودتنا بعد يوم جامعي طويل ، كانت تجلس بجواري بداخل عربة السيدات بالقطار السريع. بعد إلقاء السلام والكلام بشكل عام عن معاناة الدراسة والكم الهائل من المعلومات الطبية التي نتناولها يومياً ، تذكرت أني سمعت بخبر خطبتها خلال الأيام السابقة ، باركت الخبر ودعوت الله أن يتم الأمر على خير . وبعد أن شكرتني بكل قلبها ، ابتسمت كمن يتذكر شيئاً يسعده ، وأخذت تسرد لي قصة خطبتها "العجيبة" على حد وصفها  ، وفرحتها التي تغمرها وتضيء عيونها طرباً بها ، وتساءلت إذا ما كنتُ ألاحظ فقدانها للكثير من بدانة جسمها لتظهر بالشكل الذي "يروق لمخطوبها "وطبيعة ملبسها وحجابها التي تغيرت لأنه "طلب ذلك" . أبديت إعجابي كوننا نتغير من أجل من نحب وحبذا إن كان تغيراً للأفضل و دعوت الله أن يتم بالخير ويجزي هذا الشاب عنها خيراً 

مرت الأيام وانشغلت كلتانا ف دراستها ، لم أقابلها إلا قليلاً ونكتفي بالابتسامة عند إلقاء السلام والتحية، وسمعت من إحداهن تذكرها وتذكر أن خطبتها لم تتم ، رغم تعجبي للأمر إلا أنني  لم انشغل كثيراً بالسبب .فما إتمام الأمر إلا بمشيئة الله و قدرته . 

لكني قابلتها كعادة أي صباحٍ مضى وقد عادت لما كانت عليه من هيئتها في حجابها ولباسها وقد ازدادت أضعاف ما كانت عليه من وزنها ، تعجبت ولكني لم أُعقب و دعوت الله أن يربط على قلب من تعلق قلبه يوماً بشيء !

هاتفتني صديقة يوماً بصوتٍ يملؤه الفرح ، تطلب مني أن أرسل إليها أسماء لبعض الكُتاب والكاتبات وأسماء كتب وبعض الروايات الجيدة في قراءتها والنافعه 

تعجبتُ من أمرها وسألتها ما سبب هذا التغير - فقد يئست أنا و صديقة أخرى لها أن نقنعها بأن القراءة عالمٌ غير العالم ولكنها دوماً تجد أنها بلا نفع و " لا تتحمل أن تجلس مرهونة لبعض السطور والكتب " - قالت أن هناك شخصاً تقدم لخطبتها ووجدت فيه كثيراً مما تتمنى في فارس أحلامها ولكنّ في لقاء رؤيتهما الأول سألها إن كانت تحب القراءة ولمن تقرأ ؟ لأنه يحبها كثيراً ويتمنى أن تكون رفيقة أيامه هكذا أيضاً ، وطلبت مني إن استطعت أن اكتب لها مغزى لكلِ كتاب . بعد أن عبرت عن فرحتي العارمة بخبر الخطبة أولاً وفرحتي أنه سيغير ما لم نستطع نحن وأنها تحاول وتبحث ثانياً فما إن انتهينا من المكالمة حتى أخذت أرسل لها ما قرأته وما سمعت أن قراءته جيدة وأخذتني الحماسة أن أرتب لها الكتب بشكل يرضيها فلا أضع مثلاً كتاباً مثقلاً بمعانيه ف البداية :حيث تبدأ بالكتب البسيطة الفكرة والمرادفات ومع الوقت يزداد حبها فتقرأ أكثر وبتعبيرٍ أعمق .

هاتفتها بعد موعد لقائهما الثاني المحدَد، اسأل عما اتفقا عليه ، أخبرتني أنه لم يتم الاتفاق لسببٍ ما . فسألتها عن الكتب والروايات لعل الأمر لم يتم من ظاهره ولكنه أتمّ الهدف المنشود ، قالت : أنها لم تقرأ سوى اسم كل كتاب ولمن كُتب لتخبره بهم ولكن الكتب هناك كما هي على رفوف رسائلنا لم تُفتح بعد !

سكنتُ في إحدى سنواتي الدراسية مع زميلة لي بنفس الفرقة الجامعية وبحكم توزيعنا المشترك بنفس الأقسام ، اعتدنا أن نكون معاً ذهاباً وإياباً ، أخبرتني يوماً أنها سئمت من لباسها لـ بنطالٍ ضيق تعلوه بلوزة بالكاد تصل إليه ، وأنها تريد أن تشتري من التنورات ما يناسبها ، فرحتُ بالأمر وتشجعنا وخرجنا لشراء ما تريده .وأتممنا عامنا الدراسي وقد تغير نظام ملبسها بشكل مريح .

بعد انتهاء فترة الاجازة ومجيئنا لدراسة عامٍ جديد ، تقابلنا ووجدت ملبسها قد عاد لما كان عليه بالأساس! ولمّا سألتها عن سبب التغيير ثانيةً ، أخبرتني أن والدتها وجدت أن ملبسها هكذا يعطيها عمراً أكبر من عمرها وأن مظهرها الأول هكذا يبدو أفضل كثيراً ويواكب عصرها ، تعجبت ولم أُعقب !

ربما نريد التغيير للأفضل وننتظر من يأخذ بأيدينا من أجل خطوةٍ للأمام ، لكن لمَ نغير من طبائعنا لتتناسب مع أحدهم لمجرد أنه أعجبنا ولا نريد خسارته ؟! 

لم نكون -كما أتصور- مثل لُعبة المكعبات ، نصمم أن يتداخل المثلث بالدائرة ويعطينا شكلاً متوافقاً ؟

ونعلمُ أنه لن يحدث إلا إذا فتح المثلث أضلعه ليحتوي اتساع الدائرة و رغبتها ألا يحدد أحد مجال تحررها 

أو تنكمش الدائرة وتنزوي روحها جانباً -عن تراضٍ -لتناسب شكل المثلث 

وحينها قد يتطابقان ~

لم يتقولب المرء فيتغير ليصبح ملائماً لقالب أحدهم ، عله يظفر به وبالعيش معه ؟! ولا يعلم أن التغير إذا لم يكن لنفسه أولاً فسرعان ما يعود قالبه للشكل الذي كان عليه وعندها يجد أن مقاس قالبه لا يُناسب ذاك القالب الذي وضع نفسه به !

فلتبحث جيداً عمن يلائم قالبك بقالبٍ مناسب وقريب من شكله 

أما إذا رضيت أن تغير قالبك فليكن لنفسك أولاً وأن تحاول-ما استطعت- ألا تتراجع عن ذاك الشكل الجديد الذي ارتضيته حتى وإن مضى القالب الذي تغيرت من أجله .